هو عمران بن حصين بن عبيد بن خلف، علم من أعلام الإسلام البارزين وقدوة وإمام بين جماهير المسلمين، وصحابي جليل نبيل، نال شرف الصحبة النبوية منذ أنعم الله عليه بنعمة الهداية للإسلام في السنة السابعة للهجرة النبوية على صاحبها أفضل الصلوات والتسليمات.
كان عمران عليه الرضوان ثالث ثلاثة حبب الله إلى نفوسهم الإيمان وزينه في قلوبهم وكره إليهم الكفر والفسوق والعصيان، فكانوا في الطليعة مع المؤمنين الراشدين أما صاحباه اللذان ظفرا بنعمة الإسلام فهما أبوذر وأبو هريرة، وأتت ثلاثتهم نعمة الهداية الربانية فأسلموا جميعاً في وقت واحد.
وكنية عمران بن حصين أبو نجيد الخزاعي، وهو معروف باسمه وكنيته على سواء. وكان عمران بن حصين محدثاً جليلا، موضع الثقة من الرواة الذين يتحدثون عنه، حدث عنه مطرف بن عبد الله، وأبو رجاء العطاردي، وزهدم الجرمي، وزرارة بن أوفى والحسن، وابن سيرين وعبد الله بن بريدة والشعبي وعطاء مولى عمران بن حصين، والحكم الأعرج وغير هؤلاء من أعلام الرواة الثقات.
وكان عمران عليه الرضوان على درجة رفيعة من البصر بأحكام الدين، والخبرة العالية بسياسة شئون المسلمين، فلا عجب أن يعجب به عمر عليه الرضوان، فيوليه قضاء البصرة، ويكل إليه مهمة تفقيه أهلها في أمور دينهم، وبحسب عمران فخراً أن يقع عليه اختيار عمر وهو من حاز عدلاً وفضلا، فيندبه لهذا الأمر الجليل الخطير، كما لعمران عليه الرضوان أن يعتز بشهادة الحسن بن علي عليهما الرضوان، فلقد كان الحسن يحلف: ما قدم عليهم البصرة خير لهم من عمران بن حصين، قال زرارة رأيت عمران بن حصين يلبس الخز. وقال مطرف بن عبد الله: قال لي عمران بن حصين: أحدثك حديثاً عسى الله أن ينفعك به: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جمع بين الحج والعمرة، ولم ينه حتى مات، ولم ينزل فيه قرآن يحرمه، وأنه كان يسلم على. يعني الملائكة، قال: فلما اكتويت، أمسك ذلك، فلما تركته عاد إلى. وكان عمران بن حصين المجاهد الغازي الجلد الصبور، قد نال شرف صحبته لرسول الله عليه صلوات الله في ميادين الجهاد، وكم كان له في سجل المفاخر والمآثر من غزوات، غزا فيها تحت عين الله وعين رسول الله قلوب الشرك والمشركين، وأبلى فيها أحسن البلاء في نصرة الدين، فكان المؤمن الصابر الصادق الأمين، ولم يكن عمران عليه الرضوان يلزم نفسه الإقامة الدائمة في المدينة، بل كان ينزل بلاد قومه، ويتردد إلى المدينة. قال أبو خشينة عن الحكم بن الأعرج عن عمران بن حصين قال: ما مسست ذكري بيميني منذ بايعت بها رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وأكبر الظن أيها القارئ الكريم، أنك تشاطرني إعجابي بهذا الصحابي الجليل العظيم، بعد هذه اللفتة الكريمة، التي ألزمها نفسه، وإن لم يحرمها ربه ولا رسول ربه، فإن مس المسلم ذكره بالشمال أو باليمين، حل لجميع المسلمين إلا ما حرم عمران بن حصين على نفسه من مس ذكره باليمين بعد إذ شرفتها يمين رسول الله بالمصافحة عند المبايعة، فأكرم بها من خطة تكشف عما احتوى قلب هذا الصحابي الجليل من أسمى ألوان الاحترام والتكريم لسيد المرسلين. وقد روى هشام عن بعض الثقات من الرواة شهادة يزكون بها عمران بن حصين وهي شهادة تشبه شهادة الحسن بن علي فيه إذ قالوا: ما قدم البصرة أحد يفضل على عمران بن حصين. وإذا تعددت شهادات التزكية وتجاوزت طريق الآحاد، دل ذلك على صدقها وبعدها عن عناصر المجاملة والمداهنة. ومما ينطبق بما كان عليه عمران بن حصين من اتهام لنفسه، بل امتداحها أو الإعجاب بها قوله المأثور عنه:
وددت أني رماد تذروني الرياح
إنها في الحق قولة لا يقولها إلا شاعر بالتقصير، خائف وجل من حساب يوم عسير، ولقد قالها عمر من قبل عمران، وهو على عدله وفضله، لا يرجو لعمله الرجحان في إحدى كفتي الميزان، فاستمع أيها القارئ الكريم إلى عمر وهو يقول: والله لو نادى مناد يوم القيامة كل الناس في الجنة إلا واحداً لظننت أني ذلك الواحد. هذا وقد أدرك عمران الفتنة التي شبت نارها بين علي ومعاوية ورجح عمران اعتزالها فلم يحارب مع علي، ومما يؤيد سياسة الاعتزال التي رآها عمران رأيا ما رواه أبو قتادة عنه، قال أبو قتادة: قال لي عمران بن حصين: الزم مسجدك، قلت: فإن دخل علي ؟ قال: الزم بيتك، قالت: فإن دخل علي ؟ قال: لو دخل على رجل يريد نفسي ومالي، لرأيت أن قد حل لي أن أقتله. ومما يؤثر عن عمران بن حصين عليه الرضوان فيما رواه مطرف عنه قوله: اكتوينا فما أفلحن ولا أنجحن يعني المكاوي. كما روى عنه قوله وهو يعوده في مرضه: أنه كان يسلم علي، فإن عشت فأكتم علي. وكذلك يقول مطرف إنه لما قال لعمران في بعض عياداته إياه وقد اشتد به المرض: ما يمنعني من عيادتك إلا ما أرى من حالك، قال: فلا تفعل، فإن أحبه إلى أحبه إلى الله. ومما ينطق بما لعمران من غيرة غيور على إقرار عين الحق بحري جانب العدل في قضائه ما رواه إبراهيم بن عطاء مولى عمران عن أبيه: أن عمران قضى على رجل بقضية، فقال: والله لقد قضيت علي بجور وما ألوت. قال: وكيف ؟ قال: شهد علي بزور، قال: ما قضيت عليك: فهو في مالي، و والله لا أجلس مجلسي هذا أبدا. وكان نقش خاتم عمران تمثال رجل متقلد السيف.
قال أبو رجاء: خرج علينا عمران في مطرف خز لم نره قط، فقال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، إن الله إذا أنعم على عبد نعمة يحب أن ترى عليه. قال ابن سيرين: سقى بطن عمران بن حصين ثلاثين سنة، كل ذلك يعرض عليه الكي فيأبى، حتى كان قبل موته بسنتين فاكتوى. وقد روى الرواة أن عمر بن الخطاب كان ينهى عن الكي، فابتلى، فاكتوى فكان يحج فيقول: لقد اكتويت كية بنار ما أبرأت من ألم، ولا شفت من سقم. قال مطرف: قال لي عمران: أشعرت أن التسليم عاد إليَّ؟ قال مطرف: ثم لم يلبث إلا يسيرا حتى مات، وقال الحسن عليه الرضوان: إن عمران أوصى لأمهات أولاده بوصايا، وقال: من صرخت عليّ فلا وصية لها، وقد توفى عمران علــيه الرضوان ورحمات الرحمن سنة اثنتين وخمسين لهجرة المصطفى عليه الصلاة والسلام.