عبده مشرف
تاريخ التسجيل : 23/04/2009
| موضوع: ترجمة الصحابي معاذ بن جبل رضي الله عنه الأربعاء يونيو 03, 2009 11:32 am | |
| إسمه ونسبه :
هو معاذ بن جبل ابن عمرو بن أوس بن عائذ بن عدي بن كعب بن عمرو بن أدي بن سعد بن علي بن أسد بن ساردة بن يزيد بن جشم بن الخزرج.
السيد الإمام أبو عبد الرحمن الأنصاري الخزرجي المدني البدري. شهد العقبة شابا أمرد، وله عدة أحاديث.
أمه هي هند بنت سهل من بني رفاعة، ثم من جهينة، ولامه ولد من الجد بن قيس. ونتعرف على صفاته الخلقية مما قاله علي بن محمد المدائني رحمه الله: طوال، حسن الثغر، عظيم العينين، أبيض، جعد، قطط. وقد اختلف في أولاده، فمال المدائني إلى عدم وجود ذرية أما ابن سعد فقال: له ابنان عبد الرحمن وآخر. إسلامه وفضائله :
كان إسلامه وهو في ريعان شبابه
فقد أسلم معاذ وله ثمان عشرة سنة وهذا إنما يدل على رجاحة عقله رضي الله تعالى عنه. وكان رضي الله عنه من بين الأربعة الذين أمرنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بأخذ القرآن عنهم، فقد قال صلى الله عليه وآله وسلم: »خذوا القرآن من أربعة: من ابن مسعود، وأبي، ومعاذ بن جبل، وسالم مولى أبي حذيفة« وقد قال عنه رسولنا صلوات ربي وسلامه عليه: »أرحم أمتي بأمتي أبو بكر، وأشدها في دين الله عمر، وأصدقها حياء عثمان.
وأعلمهم بالحلال والحرام معاذ
وأفرضهم زيد، ولكل أمة أمين وأمين هذه الأمة أبو عبيدة قال عمر: لو أدركت معاذا، ثم وليته، ثم لقيت ربي، فقال: من استخلفت على أمة محمد؟ لقلت: سمعت نبيك وعبدك يقول: »يأتي معاذ بن جبل بين يدي العلماء، برتوة(1)«، وقد كان رضي الله عنه معلما وفقيها في عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وكان ممن أوكل إليه النبي صلى الله عليه وآله وسلم تفقيه الناس في مكة المكرمة بعد أن فتحها الله تعالى عليه، وقد كان رضي الله عنه قاضي اليمن في عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فقد قال رضي الله تعالى عنه: لما بعثني النبي صلى الله عليه وسلم، إلى اليمن، قال لي: كيف تقضي إن عرض قضاء؟ قال: قلت: أقضي بما في كتاب الله، فإن لم يكن، فبما قضى به رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، قال: فإن لم يكن فيما قضى به الرسول؟ قال: أجتهد رأيي ولا آلو، فضرب صدري، وقال: الحمد لله الذي وفق رسول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، لما يرضي رسول الله. ويكفي معاذ فضلا أن دعا له رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بدعاء عظيم فقال له: »حفظك الله من بين يديك ومن خلفك، ودرأ عنك شر الإنس والجن«. وقد خطب خطبة عظيمة مع قصرها لدى وصوله إلى اليمن فقال: إني رسول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إليكم: اتقوا الله واعملوا فإنما هي الجنة والنار، خلود فلا موت، وإقامة فلا ظعن، كل امرئ عمل به عامل فعليه ولا له، إلا ما ابتغي به وجه الله، وكل صاحب استصحبه أحد خاذله وخائنه إلا العمل الصالح، انظروا لأنفسكم واصبروا لها بكل شيء فإذا رجل موفر الرأس، أدعج، أبيض، براق، وضاح.
ويكفيه رضي الله عنه فخرا أن قلده رسول الله صلى الله عليه وسلم وسام حبه له، فعن معاذ قال: لقيني النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فقال: »يا معاذ! إني لأحبك في الله« قلت: وأنا والله يا رسول الله! أحبك في الله. قال: »أفلا أعلمك كلمات تقولهن دبر كل صلاة: رب أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك«. ومن عظيم فقهه ورجاحة عقله ما فعله عندما دخل المسجد ورسول الله ساجد، فسجد معه، فلما سلم، قضى معاذ ما سبقه، فقال له رجل: كيف صنعت؟ سجدت ولم تعتد بالركعة، قال: لم أكن لارى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على حال إلا أحببت أن أكون معه فيها، فذكر ذلك للنبي، صلى الله عليه وآله وسلم، فسره، وقال: »هذه سنة لكم«.
وقد كان من الذين يفتون على عهد النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وعن محمد بن سهل بن أبي خيثمة عن أبيه قال: كان الذين يفتون على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ثلاثة من المهاجرين: عمر، وعثمان، وعلي. وثلاثة من الأنصار: أبي بن كعب، ومعاذ، وزيد. وقد خطب عمر الناس بالجابية فقال: من أراد الفقه فليأت معاذ بن جبل.
وقد رزقه الله تعالى القبول بين الناس فهذا أبو سلمة الخولاني يحدثنا عن أول لقاء له بمعاذ رضي الله عنه فيقول: دخلت مسجد حمص، فإذا فيه نحو من ثلاثين كهلا من الصحابة، فإذا فيهم شاب أكحل العينين، براق الثنايا ساكت، فإذا امترى القوم، أقبلوا عليه، فسألوه، فقلت: من هذا؟ قيل: معاذ بن جبل. فوقعت محبته في قلبي.
و عن أبي بحرية قال دخلت مسجد حمص فإذا بفتى حوله الناس، جعد، قطط، إذا تكلم كأنما يخرج. من فيه نور ولؤلؤ، فقلت: من هذا؟ قالوا: معاذ بن جبل ومن بديع وصاياه رضي الله عنه ما رواه أيوب عن أبي قلابة وغيره أن فلانا مر به أصحاب النبي، صلى الله عليه وآله وسلم، فقال: أوصوني، فجعلوا يوصونه، وكان معاذ بن جبل في آخر القوم، فقال: أوصني يرحمك الله، قال: قد أوصوك فلم يألوا، وإني سأجمع لك أمرك: اعلم أنه لا غنى بك عن نصيبك من الدنيا، وأنت إلى نصيبك إلى الآخرة أفقر، فابدأ بنصيبك من الآخرة، فإنه سيمر بك على نصيبك من الدنيا فينتظمه، ثم يزول معك أينما زلت.
وقوله رضي الله عنه: ما عمل آدمي عملا أنجى له من عذاب الله من ذكر الله. قالوا: يا أبا عبد الرحمن! ولا الجهاد في سبيل الله؟ قال: ولا، إلا أن يضرب بسيفه حتى ينقطع، لان الله تعالى يقول في كتابه: { ولذكر الله أكبر } [العنكبوت: 45]. ومما يروى عن زهده وورعه رضي الله عنه أن عمر رضي الله عنه أخذ أربع مئة دينار، فقال لغلام: اذهب بها إلى أبي عبيدة، ثم تله ساعة في البيت حتى تنظر ما يصنع، قال: فذهب بها الغلام فقال: يقول لك أمير المؤمنين: خذ هذه، فقال: وصله الله ورحمه، ثم قال: تعالي يا جارية! اذهبي بهذه السبعة إلى فلان، وبهذه الخمسة إلى فلان، حتى أنفذها، فرجع الغلام إلى عمر، وأخبره، فوجده قد أعد مثلها لمعاذ بن جبل. فأرسله بها إليه، فقال معاذ: وصله الله يا جارية! اذهبي إلى بيت فلان بكذا، ولبيت فلان بكذا. فاطلعت امرأة معاذ، فقالت: ونحن والله مساكين، فأعطنا، ولم يبق في الخرقة إلا ديناران، فدحا بهما إليها. ورجع الغلام، فأخبر عمر، فسر بذلك، وقال: إنهم إخوة بعضهم من بعض.
وعن ابن معمر قال: مر عمر بمعاذ وهو يبكي، فقال: ما يبكيك؟ قال: حديث سمعته من رسول الله، صلى الله عليه وسلم، يقول: »إن أدنى الرياء شرك، وأحب العبيد إلى الله الأتقياء الأخفياء، الذين إذا غابوا لم يفتقدوا، وإذا شهدوا لم يعرفوا، أولئك مصابيح العلم وأئمة الهدى«
صبره على البلاء:
ومن صور رضاه بقضاء الله وعمق إيمانه ما روي عن أم سلمة أن أبا عبيدة لما أصيب استخلف معاذ بن جبل، يعني في طاعون عمواس، اشتد الوجع، فصرخ الناس إلى معاذ: ادع الله أن يرفع عنا هذا الرجز، قال: إنه ليس برجز ولكن دعوة نبيكم، وموت الصالحين قبلكم، وشهادة يخص الله بها من يشاء منكم، أيها الناس! أربع خلال من استطاع أن لا تدركه، قالوا: ما هي؟ قال: يأتي زمان يظهر فيه الباطل. ويأتي زمان يقول الرجل: والله ما أدري ما أنا، لا يعيش على بصيرة، ولا يموت على بصيرة. وكيف لا يكون بهذا الإيمان والانقياد وقد نهل العلم من سيد المؤمنين رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
وقد سمع رضي الله عنه فضل من استشهد من الصحابة في طاعون عمواس فلم يحب أن يفوته الأجر، فقد قال معاذ رضي الله عنه: سمعت رسول الله، صلى الله عليه وسلم، يقول: »ستهاجرون إلى الشام، فيفتح لكم، ويكون فيه داء، كالدمل أو كالوخزة يأخذ بمراق الرجل، فيشهد أو فيستشهد الله بكم أنفسكم، ويزكي بها أعمالكم«. اللهم إن كنت تعلم أن معاذا سمعه من رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فأعطه هو وأهل بيته الحظ الأوفر منه، فأصابهم الطاعون، فلم يبق منهم أحد، فطعن في أصبعه السبابة، فكان يقول: ما يسرني أن لي بها حمر النعم. وقد استشهدت ابنتاه فدفنهما في قبر واحد. وطعن ابنه عبد الرحمن، فقال رضي الله عنه لابنه، لما سأله: كيف تجدك؟ قال: { الحق من ربك فلا تكن من الممترين } [آل عمران: 60] قال: { ستجدني إن شاء الله من الصابرين } [الصافات: 102] قال: وطعن معاذ في كفه، فجعل يقلبها، ويقول: هي أحب إلي من حمر النعم. فإذا سري عنه، قال: رب! غم غمك، فإنك تعلم أني أحبك. ورأى رجلا يبكي، قال: ما يبكيك؟ قال: ما أبكي على دينا كنت أصبتها منك، ولكن أبكي على العلم الذي كنت أصيبه منك، قال: ولا تبكه، فإن إبراهيم صلوات الله عليه كان في الأرض وليس بها علم، فآتاه الله علما، فإن أنا مت، فاطلب العلم عند أربعة: عبد الله بن مسعود، وسلمان الفارسي، وعبد الله بن سلام، وعويمر أبي الدرداء.
اللحظات الأخيره من حياته
وعن الحارث بن عميرة، قال: إني لجالس عند معاذ، وهو يموت، وهو يغمى عليه ويفيق، فقال: اخنق خنقك فوعزتك إني لأحبك. وكانت وفاته وهو ابن ثمان وعشرين، وقيل: ابن اثنتين وثلاثين وقيل ابن ثلاث أو أربع وثلاثين سنة. عن خالد بن معدان أن عبد الله بن قرط قال: حضرت وفاة معاذ بن جبل، فقال: روحوني ألقى الله مثل سن عيسى ابن مريم ابن ثلاث أو أربع وثلاثين سنة. قلت - الذهبي-: يعني عندما رفع عيسى إلى السماء. فرضي الله عنك يا معاذ وعن صحابة نبينا أجمعين.
هامش (1) منتقى مما كتبه الذهبي رحمه الله في السير (2) الرتوة: المنزلة __________________
| |
|