دمـــــــــــــــــــاء.. على المــــــدرجــــــات !!!
[ القصة الأولى ]
صديقان منذ الطفولة.. جمعتهما حارة واحدة.. كانا يلعبان سوياً.. يلهيان سوياً.. يذهبان للمدرسة سوياً.. يدرسا في نفس الصفوف.. يكادا لا يفترقان.. كبرا شيئاً فشيئا.. حتى بدأت تتفتح أعينهما على الكرة.. وعلى الأندية بألوانها المختلفة.. وبالرغم من تقارب كل الأشياء بينهما تقريباً.. إلا أنهما اختلفا في الميول.. فاختار كل منهما فريقاً هو المنافس الرئيس للآخر.. في البداية كانا يستمتعان بالمباريات وأحداثها.. يفرح أحدهما عند الفوز.. وبالذات عندما يكون على حساب الفريق الآخر.. كأي طفلين كانا يسخران من هزيمة الآخر.. كبرا.. وكبر انتمائهما.. كل لفريقه.. ولكن للأسف كبر تعصبهما كذلك !!.. حتى أتى اليوم الذي تقابل فيه فريقاهما على النهائي.. كانت لحظات شديدة التوتر.. مثل كل النهائيات فاز أحد الفريقين.. زعم الخاسر أن الحكم كان السبب.. ومن شدة غضبة شتم الحكم.. وشتم الفريق الآخر.. بل شتم أيضاً كل من يشجع ذلك الفريق !!.. كانت تلك بداية الشرارة.. ردّ الآخر بغضب شديد.. تبادلا كلمات التجريح.. حتى وصل الأمر لتجريح وشتم بعضهما الآخر.. سب أحدهما أب الآخر !!! .. كادا أن يتعاركا بالأيدي.. لولا تدخل البعض.. ثم افترقا.. بعد سبعة عشر عاماً من الصداقة.. افترقا بسبب مباراة !.. كل منهما رفض مصالحة الآخر.. بحجة أن الجرح عميق.. هما الآن في الخامسة والعشرين.. ثمان سنوات وفريقاهما بين فائز وخاسر.. ثمان سنوات لم يرى أحدهما الآخر.. بسبب مباراة.. أضاعا أغلى ما كان بينهما.. إلى الأبد.. !
[ القصة الثانية ]
يقضي ساعات طوال كل يوم متنقلاً بين المنتديات الرياضية.. يطالع هذا الموضوع وذاك.. يرّد على هذا.. وينتقد ذاك.. ينفعل لأسباب تافهة.. يردّ بتجريح.. بحجّة الدفاع عن ناديه !!.. لا يكتفي بذلك.. بل يبدأ في كتابة مواضيع الشتم.. وتجييش الأعضاء على شتم الفريق المنافس.. يداعب عواطفهم الحمقاء من أجل أن يركبوا معه موجة التعصب الأعمى.. يتبعه عدد لا بأس فيه.. الأصوات العاقلة تكاد لا يُسمع صداها.. يتجرأ صاحبنا في طلبه.. فيتبنى حملة شتم وقذف بالفريق الآخر.. وبلاعبيه.. وجمهوره.. يسانده كثيرون.. تصل بهم أفكارهم الشيطانية لاختلاق هتافات عنصرية نحو الفريق الآخر !.. بل الأسوأ.. يخططون لنقل تلك الحملة وهتافاتها إلى مدرجات المباراة القادمة !!.. يحين يوم المباراة الموعود.. ومع دقائقها الأولى تبدأ الهتافات من مجموعة بسيطة.. سرعان ما تتسع دائرة هذه المجموعة وينظم إليها أعداد كبيرة.. فيأتي الرد بهتافات مضادة.. وكلما هدأت.. أشعل نيرانها أحد المدرجين.. حتى كانت اللحظات الأخيرة من المباراة.. وكان احتساب حالة تسلل غير صحيحة هي لحظة الانفجار.. فبدأ تقاذف كل ما وصلت له أيديهم مما خف وزنه وتسارع طيرانه نحو المدرج الآخر.. تنتهي المباراة.. ولكن مباراة المدرجات لا تنتهي !.. بل تكاد تكون معركة.. تتدخل قوات الأمن.. ويسارع مثيري الشغب بالهرب.. لحظات ويعود الهدوء للمدرجات الخالية.. إلا من طفل في الخامسة من عمرة.. ينزف آخر ثوان حياته.. بين ذراعي أبيه !!!..
في اليوم التالي يقرأ صاحبنا خبر موت الطفل في الصحف !.. ثم يستعد لدخول المنتدى.. كي يكتب.. سطر تعزية !
[ القصة الثالثة ]
هي قصة لن أكتبها.. لأنها اشد مأساوية من سابقتها..
سأترك أسطرها بيضاء.. لعلنا نكتب مكانها قصة تبعث لدينا الأمل..
الأمل في رياضة.. بلا قتل للمشاعر.. أو قتل للبشر..
قصة تغسل تلك الدماء التي لطّخت المدرجات..
فهل سنجدها ؟! أم ستبقى قصة حبيسة داخل زنزانة التعصّب ؟!
هل من إجابة... ؟!
(قصص من وحي الخيال.. لكن الواقع ينزف بمثيلاتها..)